مفترق طرق، بعبع، كابوس، عنق زجاجة.. هكذا كانت واستمرت وربما ستظل لسنوات طويلة.. امتحانات الثانوية العامة تدوى بوقعها الثقيل في نفوس الطلاب وبضربات أكثر ثقلا على آبائهم وأمهاتهم.. لا تفلح كل ادعاءات التطوير الرنانة الصاخبة في طرد ذلك الشبح أو تخفيف حدة الوطأة التي تعانى منها الأسر التي ابتليت بذلك المعبر الشائك الذى لا مفر من اجتيازه.. بل ولا تفلح نجاحات الاجتياز وإن تحققت في أن تبريء النفوس تماما من تلك المشاعر المؤرقة التي تسكن البيوت طوال تلك السنة الضبابية الثقيلة، فتظل آثارها ممتدة لسنوات طويلة تتجدد مشاعرها المقبضة كل سنة مع اقتراب موعد الإمتحانات ومتابعة تفاصيلها وصعوبة بعضها وصرخات الطلبة وإغماءات الطالبات بعد تعثرهم في فك طلاسم بعض أسئلتها اللوذعية الغريبة التي لاتهدف لاختبار قدرات الطلبة بقدر ما تكشف عن عقد خفية ومحاولات استعراض ممجوجة من قبل واضعيها .
تلك الأجواء الغريبة كادت تحول الثانوية العامة إلى فوبيا تلازمنا جميعا وقلما نجح من تعافى منها. وظنى أن الأمر لم يكن سهلا بل احتاج لسنوات طويلة.
ومع غزو كورونا المفاجيء والوحشى تزايدت بالطبع تلك المشاعر القابضة المضطربة.. وأصبحت أسر الطلبة المبتلاة بتلك الإمتحانات محاصرة بين مطرقة الخوف والقلق من الامتحان المصيرى وسندان الرعب من خطر الفيروس القاتل.
ولأن خطر الموت أقوى كثيرا من شبح الثانوية العامة تعالت الأصوات ومالت التوقعات لتأجيل الإمتحانات على الأقل، حتى تنتهى تلك الموجة التصاعدية الشرسة إلا أن وزارة التعليم صمت الآذان عن تلك التخوفات المشروعة وصممت على إجراء الإمتحانات في وقتها وحاولت بث الطمأنينة بالتأكيد على الإلتزام بكافة الإجراءات الاحترازية وتوفير الكمامات والقفازات للطلبة والمراقبين إضافة إلى تعقيم اللجان وتجهيزها بشكل يحافظ على المسافات الآمنة.
ورغم منطقية التصريحات شكلا، إلا أن الواقع الذى نعيشه جميعا يشى بأن تلك الإجراءات – لو سلمنا أنها تتم بكل دقة وعلى جميع اللجان بلا إستثناء - لاتكفى لمنع العدوى وعدم تعرض الطلبة والمراقبين لخطر الإصابة، وإلا ما سمعنا عن تساقط الفرق الطبية التي من المؤكد أنها أكثر حرصا على اتباع الطرق الوقائية والإجراءات الإحترازية.
كان من الطبيعى وسط تلك الأجواء المشحونة أن نتلقى خبر إستقبال وزارة التعليم اعتذارات المعلمين غير راغبي المشاركة في أعمال الثانوية العامة هذا العام بشئ من التفاؤل وقدر من الفرح.. ظنننا أن غمة القلق يمكن أن تحسم بتحرك جماعى من المعلمين لتقديم اعتذار بشكل يصعب معه إجراء الامتحانات ومن ثم تاجيلها حتى تنتهى تلك الموجة الشرسة من إنتشار الفيروس.
لكن سرعان ماصدمتنا تفاصيل الخبر، بعدما حملت إلينا شروط وضوابط الاعتذارات، والتي جاءت تكرارا لما جرت عليه العادة فيما سبقها من سنوات طويلة، حيث حددت الوزارة حالات معينة تلك التي يتسنى لها تقديم تلك الاعتذارات، وهى المرض والذى يتطلب إثباته تقديم شهادة من قومسيون طبى بتاريخ حديث وصورة ضوئية من بطاقة العلاج، أو حصول المعلم على أجازة بدون مرتب مع تقديم المستند الدال على ذلك، أو وجود طفل رضيع لايتجاوز عمره السنتين، أو وجود طفل من ذوى الإحتياجات الخاصة مع تقديم تقرير طبى، أو في حالة وفاة الزوج أوالزوجة مع تقديم شهادة وفاة لاتتجاوز العام، أو في حالة عمل الزوج في مناطق نائية أو السفر للخارج بتقديم خطاب من جهة العمل، أو في حالة ندب الزوجين لأعمال الامتحانات حيث يقبل اعتذار أحدهما، وأخيرا في حالة الحرمان من الامتحانات أو الإحالة للمحاكمة التأديبية.
ربما تفتح تلك الشروط رغبة خفية وأملا عصيا في نفوس ملايين المعلمين في أن يكونوا من المحظوظين التي تنطبق عليهم الشروط، بل وربما تمنى آخرون أن تكون ملفاتهم الوظيفية سيئة مليئة بتقارير الإحالة للمحاكمة التأديبية، أو موقع عليها عقوبة الحرمان من المشاركة في أعمال الامتحانات. لكن بالطبع كالعادة.. المحظوظون دائما هم القلة أما التعساء فلا أكثر منهم.
ولا أعرف تحديدا لماذا تجاهلت الوزارة تلك الحالة من الرعب التي نعيشها جميعا مع إنتشار الفيروس القاتل؟ لماذا لم تستثن أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن الأكثر عرضة للإصابة! لماذا لم تفتح باب الإعتذار على مصراعيه وتترك حرية الاختيار للمعلمين لتدرك الحجم الحقيقى لقبول المشاركة ومدى الإحجام عنها! لماذا أصرت على إجراء الإمتحانات بنفس القواعد والشروط والضوابط ولم تراع تلك الحالة الاستثنائية التي يمر بها العالم كله وأجبرت الجميع على تغيير قواعد وضوابط وسير العملية التعليمية والبحث عن بدائل آمنة تجنب حياة ملايين الطلبة والمعلمين من التعرض للإصابة بخطر كورونا.
ما زالت وزارة التعليم مصرة على السير في نفس الطريق.. على قديمه كما يقولون، رغم كل ادعاءات التطوير وأمام كل شراسة الفيروس، ربنا يستر.
-----------------------------
بقلم: هالة فؤاد